لكبيرة التونسي (أبوظبي)

الزائر لفعالية «المغرب في أبوظبي» ينبهر بعظمة بنائه الضخم، الذي أقيم على أرضية من ذهب وسقف من خشب، تحفة معمارية برع في إنجازها صفوة من المبدعين في مختلف الحرف التقليدية المغربية الأصيلة، دقة هندسية متناهية تختزل جمال العمارة، تتجاوز حدود إقامة رواق يحتضن فعالية إلى تحفة معمارية جمعت صناعات المغرب على اتساع رقعته الجغرافية، تظهر تجليات جمال وروح الحرف اليدوية التقليدية للمملكة، ونجحت في خلق انسجام تام بين فن مغربي أصيل ولمسة صانعين ماهرين، ويختزل لوحة فنية في أبهى جمالياتها.

تصميم فريد
ويتفرد الرواق بتصميمه الفريد وزخارفه الرائعة، التي تعكس ما تزخر به المملكة من جمال تراثها العمراني الذي يتغذى على روافد ثقافية متعددة الأصول جعلها مقصداً للسياح من مختلف أنحاء العالم إلى جانب طبيعتها الخلابة وثقافتها المتنوعة ومطبخها الشهير وأزيائها التي ذاع صيتها في مختلف أنحاء العالم، ويتميز المكان بتصميمه المتميز وزخارفه الرائعة المستوحاة من طراز العمارة المغربية، حيث استخدم الصناع والحرفيون في بنائه مجموعة من المواد كالزليج والجبس وخشب الأرز الذي يزين الأسقف، والأقواس والقبب النحاسية والنوافير الرخامية والأبواب ثلاثية الأبعاد والأعمدة الرخامية البيضاء وألوانه الحمراء وستائره الشفافة.

جسر تواصل
ويتميز رواق فعالية «المغرب في أبوظبي» الذي تنظمه وزارة شؤون الرئاسة، ويعتبر جسر محبة وتواصل وتبادل حضاري وثقافي بين دولة الإمارات والمملكة المغربية، بتصميمه الإبداعي جمع فيه المهندس سعيد برادة عمارة بعض مناطق المغرب وخلق مؤثرات مختلفة عن السنة الماضية ليبرز مدى غنى وثراء العمارة المغربية وتنوعها من طنجة إلى الكويرة، وعكس الرواق هذه السنة روعة العمارة المغربية، فأضاف لمسات مختلفة عن الأروقة السابقة، منها توظيف شاشات ضخمة لنقل مشاهد من جمال الطبيعة والعمارة المغربية، وتناغماً مع رؤيته في تحديث الأصيل، أفرد هذا العام جناحاً أكبر للمبدعين الشباب الذين يقومون بدور فعاّل في الحفاظ على الصناعة التقليدية المغربية ونقلها للعالمية.
وللمرة الأولى تم المزج في هذا الجناح بين الرخام والزليج البلدي ليعكس ذلك لوحة إبداعية متفردة، في حين خصص مساحة للصناع التقليديين في مشهد أدائي يعكس ما يقوم به الصناع في الأسواق المفتوحة بشكل تفاعلي، ما يشكل جزءاً من المشهد اليومي في المملكة، ولم يغفل الرواق أي تفصيل، أثاث فخم، مطرزات، أفرشة، إضاءة، خشب منقوش، ليتجاوز الرواق مكان احتضان الفعالية إلى تحفة معمارية تختزل حضارة آلاف السنين.

تحفة معمارية
قال المهندس سعيد برادة مصمم التحفة المعمارية «رواق فعالية المغرب في أبوظبي» المستمر إلى 30 أبريل الجاري تحت شعار «المغرب يفتح لكم أبوابه» بمساحته الكبيرة، إن المشروع هذه السنة أكبر 5 مرات عن السنوات الماضية، موضحاً أنه استعمل اللون الأبيض ليعطي المساحات الواسعة، بينما استخدم في الأبواب النحاس المنقوش يدوياً والمزين بقصائد شعرية، وأضاف: «المتجول بأجنحة المعرض يمكنه رؤية ما يدور في باقي الأجنحة من خلال المشربيات، هذه السنة حاولت أن أفرق بين الهندسة المعمارية والهندسة الديكورية، وهذا الأمر جعلني في تحد كبير، لاسيما أن 3300 متر مربع مبنية كاملة، بالإضافة إلى الزخرفة والفسيفساء والرخام وغيرها من التفاصيل، وهذه السنة حاولنا أيضا أن نعطي لكل تخصص جناحاً، فهناك جناح الموضة، وجناح المبدعين وجناح «الكوكين شو» مع شميشة، وجناح «المدينة العتيقة» الصناعية بما فيها قسم الحرفيين وقسم السوق وما يشتمل عليه من مواد غذائية وتجميلية، وهذا الجناح هو عبارة عن مدينة مصغرة تعكس ما تتميز به المدن المغربية من تنوع وغنى وحراك يومي، وتشكل القبة التي ترفعها أعمدة نحاسية مشغولة يدوياً، المسرح المحاط بالنخيل ويتوسط الرياض الركن الضاج بالجمال الذي يحتضن الفعاليات الثقافية والموسيقية والموضة.

أيقونة من ذهب
ويشتمل الرواق على أكثر من مليوني قطعة زليج منها 26 ألف قطعة مصنوعة من الذهب الخالص، وتميزت هذه السنة بالمشربيات التي زادت الرواق جمالاً، حيث أشار برادة إلى أن التصميم الذي جاء على شكل دار مغربية يشكّل قطعة فنية تعكس فن العيش المغربي، مشيراً إلى أن البيوت التقليدية في المغرب تصمم على شرف المرأة المغربية، وتتضمن كل ما تحتاجه سيدة البيت من ترفيه، وتشتمل على مطابخ ونوافير وحدائق وجلسات وباحات تدخلها الشمس والهواء، وتتميز أيضاً بالمشربيات، بحيث يمكنها رؤية ما يدور في البيت الكبير دون أن تظهر للآخرين، موضحاً أن المدن المغربية العتيقة لا تزال تضم بيوتاً يندهش زائرها من اتساعها وروعة عماراتها، وتنوع الزخارف على الزجاج والخشب والرخام فيها، وبالنسبة للباب الخارجي فإنني رأيت هذه السنة أن يكون مفتوحاً مزيناً بالأشعار المنقوشة على النحاس مما زاد المكان ألقاً.

تناغم الألوان
يقول المهندس سعيد برادة مصمم هذه التحفة المعمارية، إن الرواق هذه السنة مختلف، فقد تم تصميمه من «الزليج» البلدي المطلي بالذهب الذي استعملته للمرة الثانية خصيصاً لأبوظبي، ويطغى هذه السنة في الدورة الرابعة للفعالية اللون الأحمر، مما أعطى لمسة جمالية على الرواق وخلق تناغماً رائعاً بين الأعمدة الرخامية البيضاء والأرضية والستائر وألوان الجدران والأسقف الخشبية إلى جانب الألوان الطينية كالأحمر والبني والبيج والعسلي والأبيض، ما أضفى على الرواق صبغة تقليدية. ويضيف: حاولت أن أجمع بين مختلف مميزات العمارة المغربية بجهات المملكة في هذا الرواق، فاستخدمت الطاطاوي، وهي طريقة تقليدية يتميز بها الجنوب المغربي، ما أضفى رونقاً خاصاً على جناح عروض الطبخ المغربي، واستعملت «الماموني» بجناح عروض الأزياء، وبمنطقة الشاي استخدمت الزليج البلدي المقلوب، واخترت اللون الأحمر ليندمج مع اللون الأبيض والهندسة المعمارية والأرضية، كما تم نقش الزليج البلدي مع الرخام الأبيض «الكارارا»، وهو المستعمل في جامعة القرويين.

«الشاي المغربي».. رمز الترحاب وكرم الضيافة
على أنغام الموسيقى وبين زوايا أروقة فعالية «المغرب في أبوظبي»، التي تعتبر جسراً للمحبة وتواصلاً وتبادلاً حضارياً وثقافياً بين دولة الإمارات والمملكة المغربية، يستمتع الزائر بكأس من الشاي المغربي مع كل رشفة بالقسم الخاص بالشاي، ليسافر من خلاله إلى بلد الجمال والعراقة والأصالة، حيث يُعبر كلَّ كأس من الشاي عن الترحاب العميق ودفئ المحبة وكرم الضيافة المتوارث، والتي لا يمحوها الزمن من قلوب المغاربة وتراثهم العريق، فهي طقوسهم القديمة ورمز لحسن استقبال ضيوفهم، فعند الدخول للمكان تعبق الأنفاس برائحة عطر الشاي بالنعناع، وتستوقفك طويلاً متأملاً ومندهشاً أكوابه وصوانيه وأباريقه وبوابيره الفضية والنحاسية المزينة بنقوش يدوية أخاذة في التألق.
«الأتاي» كما يسميه المغاربة هو الشاي الأخضر، وله مكانة خاصة، ليس فقط على موائد الطعام، وإنما في دواوين الشعراء والأدباء، الذين أفردوا لهذا المشروب العجيب قصائد شعرية وزجلاً ومتوناً لم تترك صغيرة ولا كبيرة عنه إلا وأبرزتها، فمعه تتجمع العوائل، وتقام المناسبات، ويؤنس المسافر في رحلته، ويتم تمييز الشاي المغربي المعدّ بشكل جيد من رائحته، كالنعناع أو السالمية، العطرشة، الصوفي، العبدي والشيبة، وغيرها من الأعشاب الطبية والعطرية التي يضيفها المغاربة إلى «حبوب أتاي» كخصوصية محلية دوائية وذوقية.


وقال حافظ أظفار، المشرف على ركن الشاي المغربي: للمغاربة أذواق رفيعة في تذوق الشاي، فأهل الشمال يرغبونه خفيفاً أي مصنوع بمواد وأعشاب أقل كمية مع إضافات أكثر للنعنع، وأهل الجنوب لهم أمزجتهم أيضاً بصنعه بمزيد من كميات المواد ليصبح أقوى من حيث الطعم، وهناك نوعان من الشاي «أتاي»، الشاي الشعرة وهو ذو الأوراق الرقيقة الطويلة نوعاً ما والمتفردة كل على حدة، والشاي المركب ذو الحبيبات الأقل طولاً ولكل رائحته وطعمه الساحر.
وعند سؤاله عن سر صب الشاي من البراد بشكل مرتفع عن الكأس ابتسم وقال إنها لصنع الفقاعات، التي تطفو على سطح الكأس، حيث إنها تمنع تسرب حبيبات الغبار المنتشرة في الهواء من الدخول إلى الكأس.
وأضاف، تستهويك جمالية الأدوات المستعملة لتحضير الشاي المغربي وتقديمه، فالصينية و«البراد» أي الإبريق، يتخذان طابعاً تراثياً مميزاً ًيعيش معنا وبيننا، وهما مصنوعان من معدن الفضة أو النحاس الخالص، تسحر الناظر بزخرفتها وشكلها وبريق لمعانها، وتأتي الكؤوس بألوانها الحمراء والبيضاء والزرقاء وزركشتها المبدعة لتضفي روح الأناقة والفن، فلا عجب أن تطيل جلستك وتستسلم أنفاسك لتلك الرائحة العجيبة والمذاق الفريد.